أرى الشاب من الليلة الماضية، يجلس لوحده، يدخّن، ويبحلق في البحر الأسود الممتد أمامه. هاتفه مُطْفأ في يده. بجانبه أكثر من عشرة شباب ينامون تحت بطانيّات رمادية. وعلاماتها الكبيرة التي تشير إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة ترفرف في الريح.
«هل أنت بخير؟»
«نعم، الحمد لله. وأنت؟»
«جيّد. هل يمكن أن أساعدك؟»
«تساعدني؟»
لم أكن أرتدي السترة المميّزة. هو يظن أنّني هربت معه وقد نزلت من القارب للتو.
شرحت له: «أنا متطوّع هنا في ليسبوس. هل أنت بحاجة إلى شيء؟»
«حقاً؟» وقف وابتسم وهو يصافحني. «متطوّع؟»
«نعم»
«ولكن كيف استطعت القدوم إلى هنا؟ لهجتك مصريّة.»
«لديّ جواز سفر بريطاني.»
«االله يخليك. عندك كهرباء؟» رفع هاتفه الساكت.
«كلا» أشير إلى الظلمة وراءنا وإلى الخيمة البلاستيكية البيضاء الكبيرة وحاويات الشحن والخيم الخضراء الأصغر حجماً والتي تشكّل مخيم اللاجئين الآيل للسقوط هذا. «أنا آسف. لا كهرباء. نحصل على الضوء من النادي الليلي.» لاح نادي أوكسي فوقنا؛ بناية ضخمة مضاءة بالأزرق. يكبر المخيم كل يوم، هنا في موقف سيارات النادي، على سفح هذا الجبل اليوناني البارد.
أمد هاتفي « هل تريد أن تهاتف أحداً؟»
«آه» يشرق وجهه. أضع هاتفي في يده.
«شكراً أخي» يأخذ الهاتف ويفتح «فيسبوك مسنجر.»
أتركه لشأنه.
***
صباح اليوم التالي. الفجر. إنه يومي العاشر على جزيرة ليسبوس. أقود السيارة إلى المخيّم، سيجارة في يد والهاتف في الأخرى. لم أغيّر ملابسي. أفتح الهاتف فيذهب إلى الفيسبوك مباشرة. لم أفهم في البداية. هناك رسالة بالعربية إلى امرأة في السويد:
«حبيبتي
عبرت البحر
أنا بالقرب من أثينا
هاتفي ميّت»
ثم فهمت. تذكّرت الشاب من الليلة الماضية. لقد رحل الآن ولن أراه أبداً. أبتلعُ عاطفة متعبة جاشت. وأترك الهاتف في المقعد الخالي بجانبي. تتجمّع الغيوم بسرعة حول قمة الجبل. ستمطر اليوم. وعندما تمطر يموت الناس.
بإمكان المرء أن يرى تركيا من جزيرة ليسبوس. ليس البحر واسعاً وليس هائجاً. لكن القوارب ضعيفة ومكتظة بأكبر عدد من البشر الذين يمكن للمهربين أن يملأوها به.
بإمكان القارب المطاطي المجهّز بمحرك أن يعبر المضيق بساعة.
في ليلة ماطرة وبمحرك عاطل تمتليء القوارب بالماء بأسرع ممّا يمكن ليديك أن تفرغها. في ليلة ماطرة يكون ارتفاع الموج عشرة أمتار. وتظل تسقط مرة وأخرى وتأخذك إلى أعماق الماء. في ليلة ماطرة ستلقي بكل ما تملكه إلى البحر الأسود البارد لكي تطفو أمتار قليلة أقرب إلى اليونان. في ليلة ماطرة ستقول لمهرّب في تركيا «كلّا». ستقول لهم إنك ستعبر غداً وستمشي بعيداً عن القارب وتعود إلى الشاحنة التي أبقوك فيها لثلاثة أيام. ستقول لهم «كلاّ» وسيخرجون مسدساتهم ويدفعوك إلى البحر.
فاطمة حامل في الشهر السابع. ضاع قارب فاطمة لثلاث ساعات في عاصفة في البحر. كانت متأكدة بأنهم سيموتون جميعاً. هي على قيد الحياة لكن الطفل لم يتحرك منذ ساعات.
«ربما» أقول لها «هو خائف أو مصدوم.»
الساعة الثالثة صباحاً ولا يوجد طبيب في المخيّم.
«ربما» تتمتم هي وهي تهدهد الطفل «ربما».
بعد أربع ساعات ستكون على متن الحافلة إلى المخيّم الحكومي. يفترض أن يكون هناك أطباء فيه. لا أعرف. ولا أعرف إن كان الطفل قد عاش.
محمود في الخامسة والسبعين. دمّرت براميل الأسد بيته. وحقيبته الآن في قعر البحر. «بكم البطاقة إلى أثينا؟» يسألني.
«٦٠ يورو» أقول له.
«لديّ ١٠٠ فقط»
يجلس لوحده. لا أسأله إن كانت عائلته على قيد الحياة.
لا يتحدّث لدقيقة. ثم ينظر إلىّ «إذا قلت لهم إنني لا أملك سوى ١٠٠ فهل سيسمحون لي أن أركب بـ٣٠
مثلاً؟»
«لا أظن.»
« أتحسّس جيبي الخلفي. هناك ورقة واحدة. ٥ ربما. أستحيي أن أعطيه إياها.
لا أعرف ما الذي سيحدث له. لا أعرف ما الذي سيحدث لأي شخص. لا هنا في أثينا ولا في مقدونيا أو شتاءات الشمال في هذه القارة الصخريّة التي تمزّق العالم مراراً وتكراراً.
«أهلا بكم في ليسبوس» أقولها ألف مرة في اليوم. تذكّر أن تبتسم. كن دافئاً.
«أهلا بكم في ليسبوس. أنتم في نقطة انتقالية في الريف. كلنا متطوّعون هنا نعمل على مساعدتكم للوصول إلى المخيّم الحكومي جنوب الجزيرة. هذه تذكرة حافلة ستغادر صباح الغد. ستحصل على أوراقك من الحكومة هناك. وبعد الحصول على الأوراق يمكنك أن تواصل الطريق إلى أثينا. هذه تذكرة للطعام. هناك ملابس يابسة في الخيمة التي خلفنا. هناك بطانيّات في الخيمة الكبيرة. أهلاً. مرحباً. ابتسامة. ابتسامة. «مرحباً بك في ليسبوس هل هذه ابنتك؟ أهلاً! هل تريد قطعة بسكويت؟ تفضّل يا سيدي. سيدي، أنت في نقطة انتقالية في الريف.»
في يوم صاف يأتي إلى المخيّم ألفان، ثلاثة، أو أربعة آلاف.
قارب مايكل أخطأ الساحل وحطّ على الصخور. قفز خارجاً ليقوده بعيداً عن الخطر. دفعت الأمواج القارب فوقه وأغرقته في الماء وصفقت ظهره بالصخور. لا يستطيع أن يحرّك رجليه.
«هل لديك كرسي متحرّك» أسأل. «نحن بحاجة إلى كرسي متحرّك. سنوصلك إلى المستشفى سيدي. الأمر مؤقت إن شاء الله. ستتحسن غداً بإذن الله. من عنده سيارة؟ سنجد من يوصلك إلى المستشفى.»
في يوم صاف يمكن أن ترى البقع البرتقالية في الأفق. خمسون سترة نجاة لامعة، محشورة الواحدة جنب الأخرى تتجه نحوك. في يوم صاف سيكون هناك خط من القوارب، واحد وراء الآخر. سعر سترة النجاة ألف دولار وكل قارب يحمل خمسين سترة وهناك خمسون قارباً في اليوم. المهربون يحصلون، بأقل تقدير، على ربع مليون دولار في اليوم.
هناك مهرّب يرسل قاربه في الواحدة صباحاً، تصل العوائل إلى المخيّم مبللة في أشد الساعات برداً قبيّل الفجر. فاطمة كانت على واحد من هذه القوارب.
« لو كنت أعرف. لو كانت لدي أي فكرة، أقسم بالله، لما كنت فعلتها. لو كنت أعرف أن البحر سيكون هكذا. . . »
محمد يأخذ ابنة أخيه ذات السنين الأربع إلى هامبورغ. داعش قتلت أباها. أخذوه من بيته في الليل. محمد في الثامنة عشرة.
هناك حافلات للسوريين وأخرى لغير السوريين. مخيّم لهذه المجموعة وآخر لتلك. الحكومة اليونانية تدير المخيّمات. هناك فوضى وازدحام وشرطة مكافحة الشغب تملأ المخيّمات. في إحدي الليالي ينشب شجار وهناك غاز مسيل للدموع ورعب. تصلنا الأخبار هنا في الشمال. مات شخصان. وفقدت امرأة طفلها.
ما الذي نفعله هنا؟ إلى أين نبعث هؤلاء الناس؟
طفل يبكي. في النور الآفل لمصباح السولار أشاهد عائلة من أربعة. الأم تهدهد الطفل، أسنانها تصطك، ملابسها المبللة تلتصق بكتفيها. أناول الأب أربع تذاكر للحافلة التي تأخذهم إلى المخيّم الحكومي. لا خيار. أناول أربعاً أخرى. أربعمئة. أربع آلاف.
«وما الذي سيحدث بعد هذا؟» عندما نحصل على أوراقنا؟ أين سنذهب؟»
« تشترون تذكرة إلى أثينا. ومن أثينا تأخذون حافلة إلى مقدونيا. تقطعونها إلى صربيا، ثم، كرواتيا، والنمسا صعوداً إلى ألمانيا» تعلمت أن أقول هذا.
«ألمانيا لا تزال مفتوحة؟ لن يعيدوننا من حيث جئنا؟»
« يقولون إن ألمانيا مفتوحة» لا أحد يعرف إلى متى.
في الظلمة، بين نفسيْ سيجارة، يضع صبي من العراق يده على ذراعي: «هل يمكن أن أسألك سؤالاً؟»
«نعم»
«هل من الأفضل لي أن أقول إنني من سوريا؟»
***
تمت الدعوة إلى اجتماع للبلديّة في موليڤوس. وهي القرية التي تراقب القوارب تصل على شواطئها يوماً بعد يوم. هناك العديد المنظمات تعمل في الجزء الشمالي من الجزيرة ولا بد من تحسين التنسيق. المفوضيّة العليا للاجئين والصليب الأحمر وهيئة الإنقاذ الدولية والإغاثة الإسلامية ومؤسسة لاجئي القوارب و «تيم هيومانتي» و «بروآكتيڤا لايفغاردز» و «ستارفش ڤولنتيرز» وهي المنظمة التي أعمل معها وهي واحدة من المجموعات التي هبّت مستجيبة. هناك أيّام يسير فيها العمل بكفاءة. وأخرى لا. لا يوجد نظام ولا شخص مسؤول. لا يوجد جهاز معلومات مركزي. بعض المجموعات تعمل بشق الأنفس. بعضها الآخر يعمل كما لو أنه يوم عمل عادي.
اشتريت تذكرة إلى ليسبوس من القاهرة. استأجرت سيارة من المطار وسقت شمالاً باتجاه تركيا. بعد نصف ساعة من وصولي كنت في البحر إلى وسط قامتي وهناك رجل يناولني طفلاً من قارب ملئ بالماء. خضنا إلى اليابسة ننوء تحت ثقل الحقائب. أعدت طفله إليه ووقف ساكناً للحظة. مصدوماً. ضغطت على ذراعه ثم وجدت رأسه على كتفي وبكينا سوية.
«وصلت» أقول بالعربية. لا يفهم.
بعد ساعة وجدت أوكسي وبدأت أعمل في شباك التذاكر.
«مرحباً، أهلاً في ليسبوس. هل تحتاج إلى ملابس جافّة؟»
هناك عشرات المتطوعين لديهم نفس الحكاية.
ينظّم المتطوعون عملهم على «الواتساپ»:
هل هناك من يمكنه أن يأخذ نوبة الحافلة للسابعة صباحاً عنّي؟
٢٠٠٠ في أوكسي الآن. هناك شحة في السندويشات.
نحتاج إلى طبيب في أوكسي.
حرس السواحل يخرجون الآن. استعدوا لقارب يدخل الميناء.
يمكنني أن آخذ نوبة السابعة صباحاً.
خمسة قوارب في الماء الآن.
بحاجة إلى المزيد من البطّانيات في أوكسي.
هل رأى أحد الطفل؟
مئات الرسائل تتطاير كل يوم بين عشرات المتطوّعين.
مسؤول البلدة يتنحنح. يقول للحضور في الغرفة إن الاقتصاد تضرّر هذا الصيف. إنه اقتصاد سياحة. وعلينا أن نراعي المحليّين. يذكّرنا بأن ننزل الشبابيك عندما نمر بجانبهم بسياراتنا ونقول «كاليميرا» صباح الخير. أبطئوا في السياقة. يقول لنا، إنهم لا يفهمون ما يحدث في جزيرتهم. لا يفهمون ما يحدث في سوريا. الشئ الوحيد الذي يفهمونه هو أن هذا الصيف لم يكن جيداً لهم.
أرفع يدي: «بدلاً من النظر إلى الموضوع كمشكلة لماذا لا نقول إنها فرصة؟ لديكم اقتصاد يعتمد على السياحة الصيفيّة وهو يعاني الآن. لكن لديكم الآن آلاف الناس الذين يمرون عبر جزيرتكم كل يوم. الكثيرون منهم بلا نقود. الكثيرون باعوا كل شيء. الكثيرون يفضّلون النوم في فندق على النوم في مخيّم للاجئين. لكن على أن أقول لهم إن القيام بأي شيء هنا بدون أوراق يخالف القانون. اعملوا استثناء لحالة الطوارئ هذه. ادمجوا هؤلاء الناس في اقتصادكم وستكون فنادقكم مليئة حتى الشتاء ولن يكون لديكم مشكلة.»
لكن الجواب بسيط: هذا يخالف القانون. المحليّون ليسوا مستعدين لهذا.
« ليسوا مستعدين لأن ينزل العرب في فنادقهم؟»
«كلا»
لذلك أقول للناس ليلة بعد أخرى «أرجوك، خذ بطانية. ستشعر بالدفء هنا. لا يوجد مكان داخل الخيمة؟ خذ بطانية أخرى. أنا آسف، إنه وضع خرائى وإنها عنصرية، لكن ركوب سيارة الأجرة غير قانوني. النزول في فندق غير قانوني. شراء تذكرة طائرة غير قانوني. أنا آسف.»
الطريق الجبلي مرصوف على مد البصر بنهر رمادي من البطانيات. بإمكان الخيم أن تستوعب خمسمئة. في معظم الليالي هناك ألف شخص، على الأقل، في المخيّم.
حين يأتي المطر كل شيء يتغيّر. والمطر في ليسبوس ينهمر بسرعة وبقوّة. فيصبح المخيّم زلقاً بالطين في ثوان. نوزّع ستراً من البلاستيك الرقيق ويربض الناس تحت القماش المشمّع. سيشتد البرد. الشتاء سيكون أبرد والشمال أيضاً. «أرجوك» خذ بطانيتك معك.» ستكون هناك ليال طويلة في الظلام البارد على حدود صربيا. مسيرات عبر الريف السلوفيني. أيام في معسكرات الاحتجاز في ألمانيا. سيشتد البرد.
سيبطئ الأمر في الشتاء. لا بد أن يبطئ. لازمة تُسمَع عشرات المرات في اليوم. سيبطئ حين يحصل أردوغان على صفقته. الوصول إلى أوربا بدون تأشيرة دخول للأتراك زائداً بلايين من اليوروات وسيبطئ الأمر.
« اللعنة على الأتراك وعلى أردوغان وحكومته» أسمع حكايات مثل هذه كل يوم. «حاولت لسنة أن أعيش في تركيا. لكنك تعمل ضعف ما يعمله التركي وتأخذ نصف الراتب. يقف صاحب العمل على رأسك وبإشارة من أصبعه يقول لك أن تحمل هذا وأن تنظف الوسخ. ويقف ليراقبك ويسخر منك ولا يدفع ما يكفي لتطعم نفسك. انس أطفالك. كلا. حاولت. ليس لديك حقوق. الحياة مستحيلة. هم يتأكدون من أن تكون ذلك. كل ما أردته هو أن أعمل. لو كان بإمكاني أن أعمل في تركيا لعملت. لكن لا يمكن لك أن تعمل.»
في اليوم الذي يلتقي فيه أردوغان بكبار مسؤولي الإتحاد الأوربي ليست هناك قوارب.
أوروبا على مفترق طرق والطريقة التي ستتعامل بها مع هذه الأزمة ستساعد في تمييز القارة في القرن القادم. لطالما شكّلت الهجرة الجمعية العالم. عبر التاريخ تشكلت المدن والحضارات العظيمة من الخليط المتنوّع من البشر.
يكبر مخيّم أوكسي يوماً بعد يوم. تنصب خيمة جديدة لامرأة وطفل. تقف حافلة طبيّة. تولد خيمة ليلعب فيها الأطفال. لكن هذا لا يكفي. الأمطار قادمة والشتاء قادم والناس لن يتوقفوا. لا يمكنهم أن يتوقّفوا. ليس لديهم مكان يذهبون إليه. ليس بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً سوى الهرب من البراميل المتفجّرة والهجمات الكيمياوية والإعدام في الأماكن العامة.
بإمكان أوروبا أن تتشبّث بأفكارها القديمة عن ذاتها، أن تظل بمزاج التفوّق الإمبريالي بينما شعوبها تشيخ واقتصادها يتدهور. أو بإمكانها أن تخلق مستقبلاً جديداً لها. مستقبل يبدأ في ليسبوس وكوس ولامبيدوزا. مستقبل لا يقوم على النفاق الإثني ضيق الأفق ولكن على العمل والتقبّل: عالم جديد تتحرّك فيه الأشياء التي هي أهم من رأس المال، تتحرك بين الخطوط على الخارطة دون عائق.
موسى يهرب من داعش. كان يعيش في نوتنغهام. كان لديه تأشيرة، لكنه عاد إلى أفغانستان ليتزوج ويكون مع عائلته. كان هذا قبل ثماني سنوات. كان يفترض أن تتحسن الأمور.
« داعش تسيطر على أربع مقاطعات في الشمال» يقول « ولا أحد يتحدث عن الأمر.»
يتحدث الإنكليزية بطلاقة وبلهجة ميدلانديّة قحّة. أفترض، مخطئاً، أنه يعمل في المخيّم. نمضي الليلة نعمل معاً. أنا بالعربية وهو بالدارية.
«عالقون نحن في وسط حرب بين داعش وبين الطالبان. داعش تأتي وتأخذك من بيتك. إذا كان هناك نساء في الداخل يجب أن ترفع راية ليأتوا ويأخذوهن. هكذا تبيّن أنك لا تخفي شيئاً. لا يمكنك أن تربّي عائلة، أو تعمل، أو تعيش. ماذا كنت أنت ستفعل يا صاحبي؟” يسألني. أمضى سنتين يقدم طلبات التأشيرة. ورفضت كلّها. أين هو الآن؟
ركب حافلة قبل شهر ولحقت به:
« ما اسمك على الفيسبوك؟»
« موسي نوتنغهام»
« سأضيفك الآن.»
تصافحنا.
«سأراك في المملكة المتحدة» قلت.
نزلت من الحافلة وشعرت بيد على صدري ولكنة فرنسية تأمرني: « ابق على الحافلة. يجب أن تبقى على الحافلة.»
أزحت يده وأجبت بالانكليزية: «أنا أعمل هنا.»
« آه، آسف»
تحركت الحافلة ولوّحت مودّعاً.
أربعون يوماً مرّت. هل هو في كاليه؟ بانتظار ردود الفعل السلبيّة إزاء آخر مشاهد العنف الداعشية؟ لا أعرف. فما زال طلب الصداقة الذي أرسلته ينتظر بلا موافقة.
[ترجمة سنان أنطون. نشر الأصل بالإنكليزية في مجلة غورنيكا]